جعفر عبد الكريم الخابوري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مجلة كشف الحقائق الاسبوعيه رئيس التحرير جعفر الخابوري

اذهب الى الأسفل

مجلة كشف الحقائق الاسبوعيه رئيس التحرير جعفر الخابوري  Empty مجلة كشف الحقائق الاسبوعيه رئيس التحرير جعفر الخابوري

مُساهمة من طرف جعفر الخابوري الأربعاء أبريل 19, 2023 4:38 pm

النملة التي تسكن شق الحائط وتتجول في عالم صغير لا يزيد عن دائرة قطرها نصف متر وتعمل طول الحياة عملًا واحدًا لا يتغير هو نقل فتافيت الخبز من الأرض إلى بيتها تتصور أن الكون كله هو هذا الشق الصغير وأن الحياة لا غاية لها إلا هذه الفتفوتة من الخبز ثم لا شيء وراء ذلك.. وهي معذورة في هذا التصور فهذا أقصى مدى تذهب إليه حواسها.

أما الإنسان فيعلم أن الشق هو مجرد شرخ في حائط والحائط لإحدى الغرف و الغرفة في إحدى الشقق والشقة هي واحدة من عشرات مثلها في عمارة والعمارة واحدة من عمارات في حي والحي واحد من عدة أحياء بالقاهرة والقاهرة عاصمة جمهورية و هذه بدورها مجرد قُطر من عدة أقطار في قارة كبيرة اسمها أفريقيا ومثلها أربع قارات أخرى على كرة سابحة في الفضاء اسمها الكرة الأرضية.. والكرة الأرضية بدورها واحدة من تسعة كواكب تدور حول الشمس في مجموعة كوكبية.. والمجموعة كلها بشمسها تدور هي الأخرى في الفضاء حول مجرة من مائة ألف مليون شمس.

وغيرها مائة ألف مليون مجرة أخرى تسبح بشموسها في فضاء لا أحد يعرف له شكلًا.. وكل هذا يؤلف ما يعرف بالسماء الأولى أو السماء الدنيا وهي مجرد واحدة من سبع سماوات لم تطلع عليها عين ولم تطأها قدم ومن فوقها يستوي الإله الخالق على عرشه يُدبّر كل هذه الأكوان ويُهيمن عليها من أكبر مجرة إلى أصغر ذرة.

كل هذا يعلمه الإنسان على وجه الحقيقة.. ومع ذلك فما أكثر الناس أشباه النمل الذين يعيشون سُجناء محصورين كل واحد مُنغلِق داخل شق نفسه يتحرك داخل دائرة محدودة من عدة أمتار ويدور داخل حلقة مفرغة من الهموم الذاتية تبدأ وتنتهي عند الحصول على كسرة خبز ومضاجعة امرأة ثم لا شيء وراء ذلك.. رغم ما وهب الله ذلك الإنسان من علم وخيال واختراع وأدوات وحيلة وذكاء ورغم ما كشف له من غوامض ذلك الكون الفسيح المذهل.

أكثر الناس بالرغم من ذلك قواقع و سلاحف ونمل كل واحد يغلق على نفسه قوقعته أو درقته أو يختبيء داخل جحر مظلم ضيق من الأحقاد والأضغان والأطماع والمآرب.

نرى الذي يموت من الغيرة وقد نَسي أن العالم مليء بالنساء ونسي أن هناك غير النساء عشرات اللذّات والأهداف الأخرى الجميلة.. ولكنه سجن نفسه بجهله و غبائه داخل امرأة واحدة وداخل جحر نملة واحدة إلتصق بها كما يلتصق بقطرة عسل لا يعرف لنفسه فكاكًا.

و نرى آخر مغلولًا داخل رغبة أكّالة في الانتقام والثأر يصحو وينام ويقوم في قمقم من الكوابيس لا يعرف لنفسه خلاصًا ولا يُفكّر إلا في الكيفية التي ينقض بها على غريمه لينهش لحمه ويشرب دمه.

ونرى آخر قد تكوم تحت الأغطية وغاب في محاولة حيوانية لاستدرار اللذة مثل قرد الجبلاية الذي يمارس العادة السرية أمام أنثاه.

و نرى آخر قد غرق في دوامة من الأفكار السوداوية أغلق على نفسه زنزانة من الكآبة واليأس والخمول.

ونرى آخر قد أسر نفسه داخل موقف الرفض والسخط والتبرم والضيق بكل شيء.

ولكن العالم واسع فسيح.

وإمكانيات العمل والسعادة لا حد لها وفُرص الاكتشاف لكل ما هو جديد ومذهل ومدهش تتجدد كل لحظة بلا نهاية.

وقد مشى الإنسان على تراب القمر.
ونزلت السفن على كوكب الزهرة.
وارتحلت الكاميرات التليفزيونية إلى المريخ.

فلماذا يسجن الإنسان نفسه داخل شق في الحائط مثل النملة ويعض على أسنانه من الغيظ أو يحك جلده بحثًا عن لذة أو يطوي ضلوعه على ثأر.

ولماذا يسرق الناس بعضهم بعضًا ولماذا تغتصب الأمم بعضها بعضًا والخيرات حولها بلا حدود والأرزاق مطمورة في الأرض تحت أقدام من يبحث عنها.

ولماذا اليأس وصورة الكون البديع بما فيها من جمال ونظام وحكمة وتخطيط موزون تُوحي بإله عادل لا يخطيء ميزانه.. كريم لا يكف عن العطاء.

لماذا لا نخرج من جحورنا.. ونكسر قوقعاتنا ونطل برؤوسنا لنتفرج على الدنيا ونتأمل.

لماذا لا نخرج من همومنا الذاتية لنحمل هموم الوطن الأكبر ثم نتخطى الوطن إلى الإنسانية الكبرى.. ثم نتخطى الإنسانية إلى الطبيعة وما وراءها ثم إلى الله الذي جئنا من غيبه المغيب ومصيرنا إلى غيبه المغيب.

لماذا ننسى أن لنا أجنحة فنجربق أن نطير ونكتفي بأن نلتصق بالجحور في جبن ونغوص في الوحل و غرق في الطين ونُسلّم قيادتنا للخنزير في داخلنا.

لماذا نُسلّم أنفسنا للعادة والآلية والروتين المكرر وننسى أننا أحرار فعلًا.

لماذا أكثرنا نمل وصراصير .. ؟!

..

#د_مصطفى_محمود
#اقتباسات_من_روائع_الأدب
من كتاب : الروح والجسد.
#Hanaالنملة التي تسكن شق الحائط وتتجول في عالم صغير لا يزيد عن دائرة قطرها نصف متر وتعمل طول الحياة عملًا واحدًا لا يتغير هو نقل فتافيت الخبز من الأرض إلى بيتها تتصور أن الكون كله هو هذا الشق الصغير وأن الحياة لا غاية لها إلا هذه الفتفوتة من الخبز ثم لا شيء وراء ذلك.. وهي معذورة في هذا التصور فهذا أقصى مدى تذهب إليه حواسها.

أما الإنسان فيعلم أن الشق هو مجرد شرخ في حائط والحائط لإحدى الغرف و الغرفة في إحدى الشقق والشقة هي واحدة من عشرات مثلها في عمارة والعمارة واحدة من عمارات في حي والحي واحد من عدة أحياء بالقاهرة والقاهرة عاصمة جمهورية و هذه بدورها مجرد قُطر من عدة أقطار في قارة كبيرة اسمها أفريقيا ومثلها أربع قارات أخرى على كرة سابحة في الفضاء اسمها الكرة الأرضية.. والكرة الأرضية بدورها واحدة من تسعة كواكب تدور حول الشمس في مجموعة كوكبية.. والمجموعة كلها بشمسها تدور هي الأخرى في الفضاء حول مجرة من مائة ألف مليون شمس.

وغيرها مائة ألف مليون مجرة أخرى تسبح بشموسها في فضاء لا أحد يعرف له شكلًا.. وكل هذا يؤلف ما يعرف بالسماء الأولى أو السماء الدنيا وهي مجرد واحدة من سبع سماوات لم تطلع عليها عين ولم تطأها قدم ومن فوقها يستوي الإله الخالق على عرشه يُدبّر كل هذه الأكوان ويُهيمن عليها من أكبر مجرة إلى أصغر ذرة.

كل هذا يعلمه الإنسان على وجه الحقيقة.. ومع ذلك فما أكثر الناس أشباه النمل الذين يعيشون سُجناء محصورين كل واحد مُنغلِق داخل شق نفسه يتحرك داخل دائرة محدودة من عدة أمتار ويدور داخل حلقة مفرغة من الهموم الذاتية تبدأ وتنتهي عند الحصول على كسرة خبز ومضاجعة امرأة ثم لا شيء وراء ذلك.. رغم ما وهب الله ذلك الإنسان من علم وخيال واختراع وأدوات وحيلة وذكاء ورغم ما كشف له من غوامض ذلك الكون الفسيح المذهل.

أكثر الناس بالرغم من ذلك قواقع و سلاحف ونمل كل واحد يغلق على نفسه قوقعته أو درقته أو يختبيء داخل جحر مظلم ضيق من الأحقاد والأضغان والأطماع والمآرب.

نرى الذي يموت من الغيرة وقد نَسي أن العالم مليء بالنساء ونسي أن هناك غير النساء عشرات اللذّات والأهداف الأخرى الجميلة.. ولكنه سجن نفسه بجهله و غبائه داخل امرأة واحدة وداخل جحر نملة واحدة إلتصق بها كما يلتصق بقطرة عسل لا يعرف لنفسه فكاكًا.

و نرى آخر مغلولًا داخل رغبة أكّالة في الانتقام والثأر يصحو وينام ويقوم في قمقم من الكوابيس لا يعرف لنفسه خلاصًا ولا يُفكّر إلا في الكيفية التي ينقض بها على غريمه لينهش لحمه ويشرب دمه.

ونرى آخر قد تكوم تحت الأغطية وغاب في محاولة حيوانية لاستدرار اللذة مثل قرد الجبلاية الذي يمارس العادة السرية أمام أنثاه.

و نرى آخر قد غرق في دوامة من الأفكار السوداوية أغلق على نفسه زنزانة من الكآبة واليأس والخمول.

ونرى آخر قد أسر نفسه داخل موقف الرفض والسخط والتبرم والضيق بكل شيء.

ولكن العالم واسع فسيح.

وإمكانيات العمل والسعادة لا حد لها وفُرص الاكتشاف لكل ما هو جديد ومذهل ومدهش تتجدد كل لحظة بلا نهاية.

وقد مشى الإنسان على تراب القمر.
ونزلت السفن على كوكب الزهرة.
وارتحلت الكاميرات التليفزيونية إلى المريخ.

فلماذا يسجن الإنسان نفسه داخل شق في الحائط مثل النملة ويعض على أسنانه من الغيظ أو يحك جلده بحثًا عن لذة أو يطوي ضلوعه على ثأر.

ولماذا يسرق الناس بعضهم بعضًا ولماذا تغتصب الأمم بعضها بعضًا والخيرات حولها بلا حدود والأرزاق مطمورة في الأرض تحت أقدام من يبحث عنها.

ولماذا اليأس وصورة الكون البديع بما فيها من جمال ونظام وحكمة وتخطيط موزون تُوحي بإله عادل لا يخطيء ميزانه.. كريم لا يكف عن العطاء.

لماذا لا نخرج من جحورنا.. ونكسر قوقعاتنا ونطل برؤوسنا لنتفرج على الدنيا ونتأمل.

لماذا لا نخرج من همومنا الذاتية لنحمل هموم الوطن الأكبر ثم نتخطى الوطن إلى الإنسانية الكبرى.. ثم نتخطى الإنسانية إلى الطبيعة وما وراءها ثم إلى الله الذي جئنا من غيبه المغيب ومصيرنا إلى غيبه المغيب.

لماذا ننسى أن لنا أجنحة فنجربق أن نطير ونكتفي بأن نلتصق بالجحور في جبن ونغوص في الوحل و غرق في الطين ونُسلّم قيادتنا للخنزير في داخلنا.

لماذا نُسلّم أنفسنا للعادة والآلية والروتين المكرر وننسى أننا أحرار فعلًا.

لماذا أكثرنا نمل وصراصير .. ؟!

..

#د_مصطفى_محمود
#اقتباسات_من_روائع_الأدب
من كتاب : الروح والجسد.
#Hana
جعفر الخابوري
جعفر الخابوري
المراقب العام
المراقب العام

المساهمات : 214
تاريخ التسجيل : 19/04/2023

https://fggfgggg.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى